فصل: أَحدهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.كتاب الشَّهَادَات:

كتاب الشَّهَادَات:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ حديثًَا:

.أَحدهَا:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الشَّهَادَة، فَقَالَ للسَّائِل: ترَى الشَّمْس؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ: عَلَى مثلهَا فاشهد أَو فدع».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «ذكر عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل يشْهد بِشَهَادَة، فَقَالَ: أما أَنْت يَا ابْن عَبَّاس فَلَا تشهد إِلَّا عَلَى أَمر يضيئ لَك كضياء الشَّمْس. وَأَوْمَأَ رَسُول الله بِيَدِهِ إِلَى الشَّمْس» وَرَوَاهُ ابْن عدي وَلَفظه عَن ابْن عَبَّاس «أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الشَّهَادَة، فَقَالَ: ترَى الشَّمْس عَلَى مثلهَا فاشهد أَو دع» قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: فِيهِ نظر فَإِن فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مسمول، وَهُوَ ضَعِيف كَانَ الْحميدِي يتَكَلَّم فِيهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ لَا فِي إِسْنَاده وَلَا فِي مَتنه. وَقَالَ الْعقيلِيّ بعد أَن أخرجه فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء: لَا يعرف إِلَّا بِهِ. وَفِيه أَيْضا عَمْرو بن مَالك الْبَصْرِيّ، قَالَ ابْن عدي: مُنكر الحَدِيث عَن الثِّقَات وَيسْرق الحَدِيث، ضعفه أَبُو يعْلى الْموصِلِي. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب إِخْرَاجه لَهُ: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مسمول تكلم فِيهِ الْحميدِي. قَالَ: وَلم يرو من وَجه يعْتَمد عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِي كِتَابه الإِمام: أخرج أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صحيحيه لمُحَمد بن سُلَيْمَان الْمَذْكُور.
قلت: فَيقوم مقَامه الْحَاكِم إِذن فِي تَصْحِيح إِسْنَاده، لَكِن الْكل ضَعَّفُوهُ كَمَا تقدم.

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أكْرمُوا الشُّهُود».
هَذَا لَيْسَ مَوْجُودا فِي الْكتب السِّتَّة وَلَا المسانيد فِيمَا أعلم، إِنَّمَا وقفت عَلَيْهِ فِي أمالي أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد الْهَاشِمِي الْمَعْرُوف بِجُزْء البانياسي وَقد وَقع لنا بعد وأخبرنيه غير وَاحِد كِتَابَة وسماعًا عَن الْفَخر ابْن البُخَارِيّ مِنْهُم الْجمال الْمزي وزين الدَّين الرَّحبِي وَغَيرهمَا، أَنا ابْن قدامَة وشمس الدَّين الْعَطَّار قَالَا: أخبرنَا ابْن البطي، وَقَالَ ابْن قدامَة: أَنا ابْن تَاج الْقُرَّاء، قَالَا: أَنا البانياسي، نَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن الصَّلْت الْمُجبر، أَنا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد، نَا أبي، نَا عمي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن عبد الصَّمد بن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أكْرمُوا الشُّهُود فَإِن الله- عَزَّ وَجَلَّ- يسْتَخْرج بهم الْحُقُوق وَيدْفَع بهم الظُّلم». وَرَوَاهُ أَيْضا فِي مجْلِس إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد أَيْضا نَا أبي... فَذكره، وَقَالَ: «يدافع» بدل «يدْفع» أخبرنَا بهَا ابْن جني سَمَاعا والمزي، أَنا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي السمر قندي، عَن ابْن النقور وَأبي الْقَاسِم الْبَغَوِيّ، وَأبي مُحَمَّد ن أَحْمد بن عَلّي بن الْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الصَّلْت عَنهُ. وأخبرنيه أَعلَى من هَذَا بِدَرَجَة فِي خبر البانياسي الشَّيْخ الصَّالح الْأَصِيل نادرة المعمرين وجيه الدَّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن الشَّيْخ الْجَلِيل القَاضِي نَاصِر الدَّين أبي الحزم مكي بن القَاضِي شرف الدَّين أبي الطَّاهِر إِسْمَاعِيل الْعَوْفِيّ بالإسكندرية فِي رحلتي الأولَى إِلَيْهَا بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ أَنبأَنَا الكاشخري إجَازَة عَامَّة قَالَ: أَنبأَنَا ابْن البطي وَابْن تَاج الْقُرَّاء. وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَن فِي إِسْنَاده ضعفاء، أحدهم: أَحْمد بن مُحَمَّد بن الصَّلْت الْمُجبر ضعفه البرقاني، قَالَه الْخَطِيب عَنهُ، قَالَ الْخَطِيب: وَسمعت حَمْزَة بن مُحَمَّد بن طَاهِر يَقُول: كَانَ ديِّنًا صَالحا. قَالَ: وَسمعت عبد الْعَزِيز الْأَزجيّ يَقُول: مُحَمَّد بن الصَّلْت أَتَى كتب ابْن أبي الدُّنْيَا فَحدث بهَا عَن البرذعي- يَعْنِي وَلم تكن عِنْد البرذعي.
ثانيهم: إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْهَاشِمِي ذكره الْعقيلِيّ فِي كِتَابه الضُّعَفَاء وَقَالَ: حَدِيثه غير مَحْفُوظ وَلَا أصل لَهُ من حَدِيث النَّاس وَذكر لَهُ الحَدِيث.
ثالثهم: عبد الصَّمد بن عَلّي الْهَاشِمِي ذكره الْعقيلِيّ أَيْضا فِي ضُعَفَائِهِ وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث ثمَّ قَالَ: حَدِيث غير مَحْفُوظ وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ.
قلت: وَقد نَص غير وَاحِد من الْحفاظ عَلَى ضعفه فَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله إِلَى بِإِسْنَادِهِ ابْن عَبَّاس ذكره بلفظين أَحدهمَا كَمَا سقناه، وَثَانِيهمَا: «أكْرمُوا الشُّهُود بهم تستخرج الْحُقُوق» ثمَّ قَالَ: قَالَ الْخَطِيب: تفرد بروايته عبد الصَّمد بن مُوسَى وَقد ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي تَخْرِيجه أَحَادِيث الشهَاب: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عبد الصَّمد بن مُوسَى وَقد ضَعَّفُوهُ. وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عبد الصَّمد بن مُوسَى، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْهَاشِمِي، عَن آبَائِهِ مُتَّصِلا إِلَى ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد عَن أَبِيه، وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يَحْيَى بن زَكَرِيَّا الدينَوَرِي عَن أبي يَحْيَى بن أبي ميسرَة، عَن عبد الله بن إِبْرَاهِيم الْهَاشِمِي، عَن عَمه قَالَ: عبد الصَّمد بن عَلّي بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن ابْن عَبَّاس، وَلم يصنع شَيْئا. قَالَ: وَالْمَحْفُوظ عَن ابْن أبي ميسرَة، عَن عبد الصَّمد بن مُوسَى الْهَاشِمِي، عَن عَمه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد. قَالَ: وَقَالَ الْعقيلِيّ: هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ. وَأوردهُ فِي تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه: إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْهَاشِمِي لَيْسَ بعمدة، وَهَذَا الحَدِيث مُنكر. وَقَالَ فِي تَرْجَمَة عبد الصَّمد: هَذَا خبر مُنكر، وَمَا عبد الصَّمد بِحجَّة. قَالَ: وَلَعَلَّ الْحفاظ إِنَّمَا سكتوا عَنهُ مداراة للدولة.
قلت: لم يسكتوا عَنهُ فقد ذكره الْعقيلِيّ كَمَا قدمت لَك، وَأما الصَّاغَانِي فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ لَك إِلَّا شَاهِدَاك أَو يَمِينه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من حلف عَلَى يَمِين صَبر يقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم هُوَ فِيهَا فَاجر إِلَّا لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان. قَالَ: فَدخل الْأَشْعَث بن قيس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن قَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: صدق أَبُو عبد الرَّحْمَن فيَّ نزلت، كَانَ بيني وَبَين رجل خُصُومَة فِي بِئْر فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من حلف عَلَى يَمِين صَبر يقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم هُوَ فِيهَا فَاجر لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان. ثمَّ قَرَأَ إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا إِلَى آخر الْآيَة» وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ «إِذا يحلف وَيذْهب بِمَالي» وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي «فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَن الْحُكُومَة كَانَت بَين الْأَشْعَث وَبَين رجل من الْيَهُود «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف» قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ عبد الْحق: لَا يُتَابع أَبُو مُعَاوِيَة أحد رَوَى هَذَا الحَدِيث عَلَى قَوْله: «قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف». وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد «خَاصَمت ابْن عَم لي رَسُول الله...» وَذكر الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم: «لَقِي الله وَهُوَ أَجْذم». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة.
فَائِدَة: قَالَ الْخَطِيب فِي مبهماته: هَذَا الَّذِي خَاصم الْأَشْعَث اسْمه الجسيس بِالْجِيم وَقيل: بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَقيل: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، ثمَّ رَوَاهُ الرَّاوِي أَنه ذكره بِالْجِيم وكناه أَبَا الْخَيْر، قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لَهُ صُحْبَة وَلَا رِوَايَة عَنهُ. وَفِي رِوَايَة رجل يُقَال لَهُ: الجفشيش بن حُصَيْن، قَالَ النَّوَوِيّ فِي مُخْتَصر المبهمات: هُوَ بالشين الْمُعْجَمَة وَفتح أَوله.
قلت: وَقَالَ ابْن طَاهِر الْحَافِظ فِي مبهماته: اسْمه معدان.

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تقبل شَهَادَة أهل دين عَلَى غير أهل دين أهلهم، إِلَّا الْمُسلمُونَ فَإِنَّهُم عدُول عَلَى أنفسهم وَعَلَى غَيرهم».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث شَاذان قَالَ: كنت عِنْد سُفْيَان الثَّوْريّ فَسمِعت شَيخا يحدث، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا «لَا يتوارث أهل ملتين شَتَّى، وَلَا تجوز شَهَادَة مِلَّة عَلَى مِلَّة إِلَّا مِلَّة مُحَمَّد؛ فَإِنَّهَا تجوز عَلَى غَيرهم» قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن شَاذان فَسَأَلت عَن هَذَا الشَّيْخ بعض أَصْحَابنَا فَزعم أَنه عمر بن رَاشد الْحَنَفِيّ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن الْأسود بن عَامر- وَهُوَ شَاذان- عَن عمر بن رَاشد، عَن يَحْيَى بن أبي كثير عَن، أبي سَلمَة مَرْفُوعا «لَا تَرث مِلَّة من مِلَّة، وَلَا تجوز شَهَادَة مِلَّة عَلَى مِلَّة إِلَّا شَهَادَة الْمُسلمين؛ فَإِنَّهَا تجوز عَلَى جَمِيع الْملَل». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحسن بن مُوسَى، عَن عمر بن رَاشد، وَرَوَاهُ عَلّي بن الْجَعْد، عَن عمر، عَن يَحْيَى عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة أَحْسبهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يَرث أهل مِلَّة مِلَّة، وَلَا تجوز شَهَادَة مِلَّة عَلَى مِلَّة إِلَّا أمتِي تجوز شَهَادَتهم عَلَى من سواهُم».
قلت: فمدار الحَدِيث إِذن عَلَى عمر هَذَا، وَهُوَ عمر بن رَاشد بن بَحر اليمامي وَقد ضَعَّفُوهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى بن معِين وَغَيرهمَا من أَئِمَّة النَّقْل وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَكَذَا قَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه وَقَالَ البُخَارِيّ: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَضَعفه جدًّا، وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يحل ذكره إِلَّا عَلَى سَبِيل الْقدح، يضع الحَدِيث عَلَى مَالك وَابْن أبي ذِئْب وَغَيرهمَا من الثِّقَات. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: رَوَاهُ عمر بن رَاشد، عَن يَحْيَى، عَن أبي هُرَيْرَة، من النَّاس من يرويهِ هَكَذَا عَن عمر، وَرَوَاهُ عَلّي بن الْجَعْد عَن عمر بن رَاشد عَن يَحْيَى عَن أبي سَلمَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسل، قَالَ: وَعمر شيخ ضَعِيف الحَدِيث.
تَنْبِيه: هَذَا الحَدِيث اسْتدلَّ بِهِ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى لَا أَنه تقبل شَهَادَة الْكَافِر مُطلقًا أَعنِي ذميًّا كَانَ أَو حربيًّا شهد عَلَى مُسلم أَو كَافِر، قَالَ الْأَصْحَاب: وَلَا حجَّة فِيهِ أَي عَلَى تَقْدِير صِحَّته إِن سمع شَهَادَتهم عَلَى أهل دينهم؛ لِأَنَّهُ لَو دلّ لَهُم فَإِنَّمَا يدل بِالْمَفْهُومِ وهم لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَلَا يُقَال أَنهم يَقُولُونَ بِهِ فَكيف خالفتموه؛ لأَنا نقُول فِي الْوَضع الَّذِي لَا يكون غَيره أَقْوَى مِنْهُ، وَهنا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَأَيْضًا فَإِن دَلِيل الْخطاب إِنَّمَا يَقُول بِهِ فِي الْمَوْضُوع الَّذِي لَا يؤول إِلَى إبِْطَال تعلقه أما إِذا أَدَّى إِلَيْهِ فَلَا نقُول بِهِ؛ لِأَن النُّطْق أَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَصله وَالْأَصْل إِذا بَطل بَطل الْفَرْع وَالْأَمر هَاهُنَا كَذَلِك.

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تقبل شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا زَان وَلَا زَانِيَة».
هَذَا الحَدِيث يرْوَى من طرق:
إِحْدَاهَا: من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَله خمس طرق عَنهُ:
أَولهَا: عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رد شَهَادَة الخائن والخائنة، وَذي الغِمر عَلَى أَخِيه، ورد شَهَادَة القانع لأهل الْبَيْت وأجازها لغَيرهم» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه كَذَلِك سندًا ومتنًا، ثمَّ رَوَاهُ بالسند الْمَذْكُور بِلَفْظ: قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا زَان وَلَا زَانِيَة، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه» ثمَّ قَالَ: الْغمر: الحنة والشحناء. وَقَالَ غَيره: الْعَدَاوَة. وَقَوله: «عَلَى أَخِيه رَأَيْته فِي نُسْخَة كَذَا فِي الْأُخوة» وبخط بعض الْقُضَاة: «الأحنة من الْعَدَاوَة» وَهُوَ ظَاهر.
ثَانِيهَا: من حَدِيث مُحَمَّد بن رَاشد، عَن سُلَيْمَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رد شَهَادَة الخائن والخائنة، وَذَوي الْغمر عَلَى أَخِيه، ورد شَهَادَة القانع لأهل الْبَيْت وأجازها لغَيرهم» والقانع: الَّذِي ينْفق عَلَيْهِ أهل الْبَيْت. وَسليمَان هَذَا هُوَ الْمَذْكُور فِي الطَّرِيق الأول أَيْضا وَهُوَ أموي مَوْلَاهُم دمشقي الْأَشْدَق، قَالَ خَ: عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَمُحَمّد هَذَا هُوَ المكحول وَفِيه مقَال وَثَّقَهُ أَحْمد وَالْجَمَاعَة، وَقَالَ دُحَيْم: يذكر بِالْقدرِ. وَقَالَ أَبُو مسْهر: كَانَ يرَى الْخُرُوج. وَقَالَ أَبُو مسْهر: كَانَ يروي الْخُرُوج. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ من أهل النّسك لَكِن لم يكن الحَدِيث من صناعته، وَكَانَ يَأْتِي بالشَّيْء عَلَى التَّوَهُّم، وَكَثُرت الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته فَاسْتحقَّ ترك الِاحْتِجَاج بِهِ. وَأخرج هَذَا الحَدِيث تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام من طَرِيق أبي دَاوُد هَذِه وَقَالَ: اخْتلف فِي الِاحْتِجَاج بِهَذَا وَنقض رِوَايَته.
ثَالِثهَا: من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة النَّخعِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «لَا يجوز للشَّهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا مَحْدُود فِي الْإِسْلَام، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه» رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَابْن أبي شيبَة فِي تصنيفه وَلَفظه: «الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم عَلَى بعض إِلَّا محدودًا فِي فِرْيَة».
وَالْحجاج هَذَا قد عرفت حَاله غير مرّة.
رَابِعهَا: من حَدِيث آدم بن فائد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا مَحْدُود فِي الْإِسْلَام، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه كَذَلِك، وآدَم هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَجْهُول. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يحْتَج بِهِ.
خَامِسهَا: من حَدِيث الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا مَوْقُوف عَلَى حد، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه كَذَلِك، والمثنى هَذَا سبق تَضْعِيفه غير مرّة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بعد أَن أخرجه من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ: آدم بن فائد والمثنى بن الصَّباح لَا يحْتَج بهما ورُوِيَ من أوجه ضَعِيفَة عَن عَمْرو، قَالَ: وَمن رَوَى من الثِّقَات هَذَا الحَدِيث «وَلَا مجرب» لم يذكر «المجلود» وَلم يذكر «الْمَحْدُود» فِيهِ، وَهُوَ الثِّقَة من جملَة من رَوَى هَذَا عَن عَمْرو فَلَا يلْزمنَا قَول خلاف من خَالفه.
الطَّرِيق الثَّانِي: من أصل طرق الحَدِيث حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا مجلود حدًّا وَلَا مجلودة، وَلَا ذِي غمر لِأَخِيهِ، وَلَا مجرب عَلَيْهِ شَهَادَة زور، وَلَا القانع لأهل الْبَيْت لَهُم، وَلَا ظنين فِي وَلَاء وَلَا قرَابَة» قَالَ الْفَزارِيّ: القانع: التَّابِع. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه كَذَلِك من رِوَايَة يزِيد بن زِيَاد الدِّمَشْقِي، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة. وَمِمَّنْ رَوَاهُ كَذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَلم يذكر «القانع» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه دون قَوْله «وَلَا مجرب، وَلَا ظنين فِي وَلَاء وَلَا قرَابَة» لكنه قَالَ فِيهِ: يزِيد بن أبي زِيَاد الْقرشِي. وَهُوَ يزِيد بن زِيَاد أَيْضا- يُقَال فِيهِ هَذَا وَهَذَا- قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا يعرف هَذَا الحَدِيث من حَدِيث الزُّهْرِيّ إِلَّا من حَدِيثه، وَلَا نَعْرِف مَعْنَى هَذَا الحَدِيث، وَلَا يَصح عندنَا من قبل إِسْنَاده. قَالَ: وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أهل الْعلم أَن شَهَادَة الْقَرِيب جَائِزَة لِقَرَابَتِهِ. وَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز شَهَادَة لرجل عَلَى الآخر: وَإِن كَانَ عدلا إِذا كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة، وَذهب إِلَيّ حَدِيث عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا «لَا تجوز شَهَادَة صَاحب إحْنَة» يَعْنِي عَدَاوَة. وَكَذَلِكَ مَعْنَى هَذَا الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: «لَا تجوز شَهَادَة صَاحب غمر» يَعْنِي صَاحب عَدَاوَة. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم يقْرَأ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَذَا حَدِيث ضَعِيف. قَالَ: وَيزِيد ابْن زِيَاد وَيُقَال: ابْن أبي زِيَاد الشَّامي هَذَا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يزِيد هَذَا ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. وَكَذَا ضعف هَذَا الحَدِيث من الْمُتَأَخِّرين ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله وتَحْقِيقه وَعبد الْحق فِي أَحْكَامه، وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ أخرجه فِي محلاه من طَرِيق أبي عُبَيْدَة وَقَالَ عَن يزِيد الْجَزرِي: أَحْسبهُ يزِيد بن سِنَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَائِشَة مَرْفُوعا «لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا ظنين فِي وَلَاء وَلَا قرَابَة، وَلَا مجلود فِي حد». وَقَالَ: لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ عَن يزِيد وَهُوَ مَجْهُول؛ فَإِن كَانَ يزِيد بن سِنَان فَهُوَ مَعْرُوف بِالْكَذِبِ. هَذَا كَلَامه وَقد علمت أَنه يزِيد.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث عبد الْأَعْلَى بن مُحَمَّد، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عبد الله بن عمر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فَقَالَ: أَلا لَا تجوز شَهَادَة الخائن وَلَا الخائنة، وَلَا ذِي غمر عَلَى أَخِيه، وَلَا الْمَوْقُوف عَلَى حد» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا كَذَلِك، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يَحْيَى بن سعيد هُوَ الْفَارِسِي مَتْرُوك وَعبد الْأَعْلَى ضَعِيف.
قلت: وَيَحْيَى أَيْضا ضَعِيف ثمَّ قَالَ البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث وَهُوَ مَجْهُول. وَقَالَ النَّسَائِيّ: يروي عَن الزُّهْرِيّ أَحَادِيث مَوْضُوعَة مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يروي عَن الزُّهْرِيّ وَأبي الزبير وَهِشَام بن عُرْوَة مَنَاكِير مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن عدي: يروي عَن الثِّقَات البواطيل. فيلخص من هَذَا كُله أَنه حَدِيث ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ، لَا جرم قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: لَا يَصح من هَذَا شَيْء عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْتَمد عَلَيْهِ. قَالَ: وَيروَى عَن عمر «أَنه كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم عَلَى بعض إِلَّا مجلودًا فِي حد، أَو مجربًا شَهَادَة زور، أَو ظنينًا فِي وَلَاء وَلَا قرَابَة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَهَذَا إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ قبل أَن يَتُوب؛ فقد روينَا «أَنه قَالَ لأبي بكرَة: تقبل شهادتك». قَالَ: وَهَذَا هُوَ المُرَاد بِسَائِر من رد شَهَادَته مَعَه.
تَنْبِيه: من الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث جُبَير بن مطعم مَرْفُوعا: «شَهَادَة الْمُسلمين بَعضهم عَلَى بعض جَائِزَة، وَلَا تجوز شَهَادَة الْعلمَاء بَعضهم عَلَى بعض؛ لأَنهم حسد» قَالَ الْحَاكِم: لَيْسَ هَذَا من كَلَام رَسُول وَإِسْنَاده فَاسد من أوجه كَثِيرَة يطول شرحها. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته: فِي إِسْنَاده مَجَاهِيل وضعفاء كَأبي هَارُون الْعَبْدي.

.الحديث السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: اشْتهر فِي الْخَبَر: «مَا منا إِلَّا من عَصَى أَو هم بِمَعْصِيَة، إِلَّا يَحْيَى بن زَكَرِيَّا».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عَلّي بن زيد، عَن يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا من آدَمِيّ إِلَّا وَقد أَخطَأ، أَو هم بخطيئة أَو عَملهَا إِلَّا أَن يكون يَحْيَى بن زَكَرِيَّا لم يهم بخطيئة وَلم يعملها» ذكره فِي تَرْجَمَة يَحْيَى وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي فِي مسنديهما. بالسند الْمَذْكُور سَوَاء لَكِن لَفْظهمَا: «مَا أحد من ولد آدم إِلَّا قد أَخطَأ، أَو هم بخطيئة لَيْسَ يَحْيَى بن زَكَرِيَّا» وَلم يعقبه الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بتصحيح وَلَقَد أَفْلح، فعلي بن زيد هُوَ ابْن جدعَان وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقد عرفت حَاله فِي أَوَائِل الْوضُوء، ويوسف بن مهْرَان تفرد عَنهُ ابْن جدعَان وَحده، وَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة وَالصَّحِيح أَنه غير ابْن مَاهك، هَذَا مَا فِي كتاب الْمزي، وَفِي التَّهْذِيب للنووي: أَن يُوسُف بن مهْرَان هَذَا مُخْتَلف فِي جرحه وَابْن جدعَان ضعفه، والْحَدِيث ضَعِيف، وَلم أَقف عَلَى من خرجه، وَلم يذكرهُ ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره مِمَّن ضعف فِي الضُّعَفَاء، وَله طَرِيق آخر من حَدِيث عبد الله بن عمر.

.الحديث السَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من لعب بالنرد فقد عَصَى الله وَرَسُوله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مَالك وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ عبد الْحق: اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث. قَالَ ابْن الْقطَّان: لم يبين من أمره شَيْئا، وَإِنَّمَا هُوَ وَالله أعلم مُنْقَطع- أَعنِي رِوَايَة مَالك- وَهُوَ أَن سعيد بن أبي هِنْد وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَإِن بَينهمَا أَبَا مرّة مولَى بني عقيل كَذَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ، وغلا ابْن معن الدِّمَشْقِي فَعَزاهُ فِي كِتَابه التنقيب إِلَى مُسلم وَهُوَ وهم مِنْهُ فَاحش، وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه: «من لعب النردشير فقد عَصَى الله وَرَسُوله» وَفِي رِوَايَة «بالكعاب» وَفِي رِوَايَة «بالكعبين» وَكلهَا من رِوَايَة أبي مُوسَى، وَأخرج أَحْمد أَيْضا رِوَايَة «الكعاب».

.الحديث الثَّامِن:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من لعب بالنردشير فَكَأَنَّمَا صبغ يَده فِي لحم الْخِنْزِير وَدَمه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور من رِوَايَة بُرَيْدَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «غمس» بدل «صبغ» وَفِي مُسْند أَحْمد، عَن مكي بن إِبْرَاهِيم، عَن الجعيد، عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الخطمي «أَنه سمع مُحَمَّد بن كَعْب يسْأَل عبد الرَّحْمَن يَقُول: أَخْبرنِي مَا سَمِعت أَبَاك يَقُول عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: سَمِعت أبي يَقُول: سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مثل الَّذِي يلْعَب بالنرد ثمَّ يقوم فَيصَلي مثل الَّذِي يتَوَضَّأ بالقيح وَدم الْخِنْزِير ثمَّ يقوم فَيصَلي».

.الحديث التَّاسِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء البقل».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من رِوَايَة سَلام بن مِسْكين عَن شيخ، عَن أبي وَائِل عَن عبد الله بن مَسْعُود مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَهَذَا ضَعِيف لجَهَالَة هَذَا الشَّيْخ قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي الْأَطْرَاف: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَة أبي الْحسن ابْن العَبْد وَغَيره فِي الْإِرْث- وَلم يذكرهُ ابْن عَسَاكِر- عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، عَن سَلام بن مِسْكين، عَن شيخ، قَالَ: «شهِدت أَبَا وَائِل فِي وَلِيمَة فَجعلُوا يغنون، فَحل أَبُو وَائِل حبوته وَقَالَ: سَمِعت عبد الله يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: إِن الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا مَوْقُوفا عَلَى ابْن مَسْعُود... فَذكره من حَدِيث سعيد بن كَعْب الْمرَادِي، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَنهُ «الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع، وَالذكر ينْبت الْإِيمَان فِي الْقلب كَمَا ينْبت المَاء الزَّرْع» وَسَعِيد هَذَا مَجْهُول، وَمَا أعرفهُ رَوَى عَنهُ غير مُحَمَّد بن طَلْحَة اليامي.
كَذَا عرفه ابْن أبي حَاتِم ويغلب عَلَى ظَنِّي أَنه مُنْقَطع أَيْضا، فقد قَالَ ابْن أبي حَاتِم: إِن رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن هَذَا عَن عَائِشَة مُرْسلَة، وَأبي مَسْعُود مَاتَ قبلهَا بأزمان. وَرَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «إِن الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب» ثمَّ قَالَ: حَدِيث لَا يَصح. ثمَّ ذكر سَبَب تَضْعِيفه، وَرَوَاهُ ابْن عدي أَيْضا من هَذَا الْوَجْه- أَعنِي من حَدِيث أبي هُرَيْرَة- وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن الْقرشِي وَأَبوهُ، وحاله مَعْرُوف فِيهِ، وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق أُخْرَى وفيهَا لَيْث بن أَبَى سليم، قَالَ ابْن طَاهِر: وَأَصَح الْأَسَانِيد فِي ذَلِك أَنه من قَول إِبْرَاهِيم. وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء: رَفعه بَعضهم وَهُوَ غير صَحِيح.
فَائِدَة: قَالَ الْغَزالِيّ: هَذَا الحَدِيث لَا دلَالَة فِيهِ عَلَى تَحْرِيم الْغناء لِأَن كثيرا من الْمُبَاحَات ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب كلبس الثِّيَاب الجميلة وَنَحْوه، وَلَا يُطلق القَوْل بِتَحْرِيمِهِ. وَقَالَ غَيره: المُرَاد بالغنى غنى المَال. ورده الغافقي ردًّا شنيعًا من حَيْثُ أَن الْغِنَى من المَال مَقْصُور وَهَذَا الَّذِي قَالَه إِنَّمَا يتَّجه إِذا كَانَ الْحفاظ كلهم رَوَوْهُ بِالْمدِّ وَيمْنَع أَنهم رَوَوْهُ بِهِ.

.الحديث العَاشِر:

أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «دخل عليّ أَبُو بكر وَعِنْدِي جاريتان من جواري الْأَنْصَار تُغنيَانِ بِمَا تقاولت بِهِ الْأَنْصَار يَوْم بُعَاث وليستا بمغنيتين، فَقَالَ أَبُو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أمزامير الشَّيْطَان فِي بَيت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟!- وَذَلِكَ فِي يَوْم عيد- فَقَالَ: يَا أَبَا بكر، لكل قوم عيد وَهَذَا عيدنا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من طرق هَذَا أَحدهمَا.
فَائِدَة: بُعَاث بِضَم الْمُوَحدَة ثمَّ عين مُهْملَة، كَمَا قَيده الْحَازِمِي والبكري فِي مُعْجَمه ثمَّ مُثَلّثَة قَالَ: وَهُوَ مَوضِع عَلَى لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة. وَذكره صَاحب كتاب الْعين بالغين الْمُعْجَمَة وَلم يسمع من غَيره. وَقَالَ أَبُو أَحْمد العسكري: هُوَ تَصْحِيف وَيجوز صرفه وَتَركه وَهُوَ الْأَشْهر، وَهُوَ يَوْم جَرَى فِيهِ حَرْب بَين قبيلتي الْأَنْصَار الْأَوْس والخزرج فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ الظُّهُور فِيهِ لِلْأَوْسِ. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه فِي بَاب الرُّخْصَة فِي الْغناء واللعب يَوْم الْعِيد من بَاب صَلَاة الْعِيد: وَهُوَ يَوْم مَشْهُور من أَيَّام الْعَرَب كَانَت فِيهِ مقتلة عَظِيمَة لِلْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَج، وَبقيت الْحَرْب بَينهمَا مائَة وَعشْرين سنة إِلَى أَن قَامَ الْإِسْلَام. قَالَ: وبعاث اسْم حصن لِلْأَوْسِ.

.الحديث الحَادِي عشر:

«من لَا حَيَاء لَهُ يصنع مَا شَاءَ» عَلَى مَا ورد مَعْنَاهُ فِي الحَدِيث، هَذَا لفظ الرَّافِعِيّ.
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح جليل أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولَى: إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت». وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه: «آخر مَا كَانَ من كَلَام النُّبُوَّة...» فَذكره. وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ، عَن حُذَيْفَة بِهِ.
قلت: وَمَعْنى «فَاصْنَعْ مَا شِئْت»، أَي: صنعت. وَقيل: الْمَعْنى إِذا لم تستح من شَيْء لكَونه جَائِزا فَاصْنَعْ إِذْ الْحَرَام يستحى مِنْهُ بِخِلَاف الْجَائِز.